يُعد قانون الإيجارات القديمة في مصر من أكثر القوانين إثارة للجدل في التاريخ التشريعي الحديث، حيث تسبب في انقسام حاد بين الملاك والمستأجرين لعقود طويلة. واليوم، ومع تسارع الحديث الحكومي والبرلماني عن ضرورة تعديله أو إلغائه، يطرح الشارع المصري السؤال الأهم:
هل نحن على أعتاب نهاية عصر “الإيجار الأبدي”؟
ما هو قانون الإيجارات القديمة؟
قانون الإيجارات القديمة هو تشريع صدر في منتصف القرن الماضي، في سياق ظروف استثنائية عقب الحرب العالمية الثانية، بهدف حماية الطبقات الفقيرة من ارتفاع أسعار السكن.
أبرز ما جاء في القانون:
- تثبيت الإيجار عند قيمة زهيدة.
- استمرار العقد بشكل دائم للمستأجر وأسرته.
- منع المالك من رفع الإيجار أو فسخ العقد.
ورغم مرور عقود، ظل هذا القانون ساريًا في كثير من الوحدات السكنية والتجارية.
أرقام صادمة: حجم الظاهرة
وفقًا لتقديرات غير رسمية:
- هناك أكثر من 2.5 مليون وحدة سكنية خاضعة لقانون الإيجار القديم.
- بعضها مؤجر بجنيهات قليلة شهريًا، رغم أن قيمتها السوقية تتجاوز الملايين.
- عشرات الآلاف من الملاك لا يستطيعون التصرف في عقاراتهم أو حتى ترميمها.
الأضرار الاقتصادية لقانون الإيجارات القديمة: نزيف مستمر
تسبب استمرار هذا القانون في خسائر اقتصادية فادحة، منها:
- تجميد ثروات عقارية ضخمة: ملايين الشقق والمحلات مجمدة ولا تدر عائدًا مناسبًا، وهو ما يُضعف الدورة الاقتصادية.
- ضعف الاستثمارات العقارية في بعض المناطق: غياب الحافز لدى المستثمرين والمطورين لشراء أو تطوير العقارات القديمة.
- هروب رؤوس الأموال إلى العقارات الجديدة فقط: مما يخلق فجوة بين المدن القديمة والمناطق العمرانية الجديدة.
- تدهور البنية التحتية للعقارات: الملاك يمتنعون عن الصيانة نتيجة عدم وجود عائد حقيقي، ما يؤدي لانهيارات متكررة.
- إهدار للموارد العامة: في بعض الحالات، تشغل كيانات اقتصادية (شركات أو بنوك) وحدات مؤجرة بـ”مليمات”، رغم قدرتها على الدفع بأسعار السوق.
- تشويه في عدالة السوق العقاري: حيث يدفع البعض 10 جنيهات شهريًا، وآخرون آلاف الجنيهات لنفس المساحة في نفس المنطقة.
بحسب دراسة صادرة عن مركز بحوث الإسكان، فإن تعديل القانون قد يُعيد ضخ أكثر من 500 مليار جنيه في السوق العقاري المصري خلال 5 سنوات.
موقف الدولة والبرلمان: بوادر للتغيير
في السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة والبرلمان المصري يتخذان خطوات فعلية تجاه إنهاء هذا الوضع، منها:
- إصدار قانون رقم 10 لسنة 2022:
- خاص بالوحدات المؤجرة للأشخاص الاعتبارية (شركات – بنوك – مكاتب).
- نص على إخلاء هذه العقارات خلال 5 سنوات.
- بدأ تنفيذه بالفعل من يونيو 2022.
- مشروعات قوانين جديدة:
- تم تقديم أكثر من مشروع لتعديل القانون للمساكن السكنية.
- بعضها يقترح فترة انتقالية 5 سنوات مع رفع تدريجي للإيجار.
- تصريحات رسمية متكررة:
- وزير العدل السابق صرّح أن الوضع الحالي “غير دستوري”.
- نواب برلمانيون أكدوا أن “حقوق الملاك ضائعة”.
السيناريوهات المحتملة:
- الإلغاء الفوري – صعب التطبيق بسبب البُعد الاجتماعي.
- رفع تدريجي للإيجار – وفقًا لمعادلات اقتصادية عادلة.
- التعويض أو التمليك – للمستأجرين القدامى بمقابل مناسب.
- الإخلاء بعد فترة انتقالية – 5 إلى 7 سنوات.
مقارنة دولية:
- فرنسا: حررت العلاقة بين المالك والمستأجر منذ التسعينات، مع دعم حكومي للمستحقين.
- الأردن: ألغت نظام الإيجارات القديمة تدريجيًا منذ عام 2000، وأقرت زيادات تدريجية لحين الوصول لقيمة عادلة.
هل الحل قريب؟
قانون الإيجارات القديمة، رغم نواياه الاجتماعية، تحول إلى عقبة اقتصادية وسكنية.
إصلاحه لم يعد ترفًا، بل ضرورة اقتصادية وعمرانية عاجلة.
لكن نجاح هذا الإصلاح يتطلب:
- رؤية متوازنة.
- حماية اجتماعية للمستأجرين الأشد فقرًا.
- وعدالة حقيقية لأصحاب الأملاك.
ربما بدأ العد التنازلي فعلاً… والسؤال ليس “هل سيتم الإلغاء؟” بل “كيف ومتى؟”
اقرأ أيضاً: