في ظل القفزات الكبيرة في أسعار العقارات، وتآكل القدرة الشرائية، بدأ خيار الاستئجار يعود إلى الواجهة مجددًا كحل واقعي ومرن للسكن، بعد سنوات من ثقافة التملك التي كانت تسيطر على المجتمع. فهل نحن بصدد تحول حقيقي في العقلية السكنية المصرية؟ وهل يصبح الإيجار مستقبلًا بديلًا للتملك في سوق مضطرب؟.
ارتفاعات قياسية
شهد سوق العقارات في مصر خلال السنوات الأخيرة ارتفاعات قياسية في أسعار الوحدات السكنية تجاوزت 100% في بعض المناطق خلال عامين فقط، مدفوعة بزيادة أسعار مواد البناء، وتراجع قيمة الجنيه، وتكاليف التمويل العقاري.
بحسب بيانات شركات التطوير العقاري، فإن متوسط سعر الوحدة السكنية الجديدة في القاهرة الكبرى تجاوز مليونَي جنيه في المناطق المتوسطة، ووصل إلى أرقام خيالية في المدن الجديدة والمجتمعات الساحلية.
الإيجار كحل عملي
في المقابل، بدأت ثقافة الإيجار تفرض نفسها كحل مؤقت أو طويل الأجل، خاصة بين الشباب غير القادرين على دفع مقدمات التعاقد أو الالتزام بأقساط طويلة المدى.
المؤشرات على الأرض: تزايد الطلب على الإيجارات
تشير إحصاءات حديثة لمواقع تسويق عقاري إلى:
-
زيادة بنسبة 34% في عمليات البحث عن وحدات للإيجار في القاهرة والإسكندرية مقارنة بالعام الماضي.
-
تراجع نسبي في طلبات التملك خاصة للوحدات قيد الإنشاء (off-plan).
-
انتعاش سوق الإيجار المفروش بين طلاب الجامعات والعاملين في الشركات الناشئة.
لماذا يعود الإيجار الآن؟
-
القدرة الشرائية المحدودة: الارتفاع الكبير في الأسعار وضع التملك خارج معادلة الطبقة المتوسطة.
-
غياب التمويل العقاري الفعال: محدودية القروض، واشتراطات البنوك الصعبة.
-
ارتفاع نسب البطالة وعدم الاستقرار الوظيفي: جعل فئة واسعة تتردد في الالتزام طويل الأجل.
-
ثقافة جديدة لدى الجيل الشاب: تميل إلى المرونة والتنقل بدلًا من التمسك بمكان واحد.
سوق الإيجار لا يخلو من التحديات
رغم عودة الإيجار إلى الساحة، إلا أن السوق يعاني من تحديات واضحة:
-
غياب عقود قانونية واضحة في معظم الحالات.
-
ضعف الضمانات للطرفين (المالك والمستأجر).
-
ارتفاع الإيجارات في بعض المناطق إلى مستويات غير منطقية.
هل نحتاج تشريعًا جديدًا؟
يطالب خبراء عقاريون بضرورة إعادة تنظيم سوق الإيجارات من خلال تشريع عصري يشمل:
-
وضع آلية لتسعير الإيجار في المناطق المختلفة.
-
توثيق عقود الإيجار إلكترونيًا من خلال منصة حكومية.
-
حماية حقوق الطرفين قانونيًا عبر عقود مُلزمة.
-
تقديم حوافز للمالكين لطرح وحداتهم بنظام الإيجار طويل الأجل.
النماذج العالمية: دروس من الغرب
في دول مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا، يمثل الإيجار السكني أكثر من 40% من السوق، وتقوم الحكومات بتنظيم العلاقة عبر قوانين قوية، مع دعم مشروعات الإيجار طويل الأجل، وهو نموذج يمكن الاستفادة منه مصريًا.
تحوّل قادم أم اتجاه مؤقت؟
قد لا تنقلب المعادلة بين ليلة وضحاها، لكن المؤشرات على الأرض تؤكد أن ثقافة السكن تتغير بهدوء في مصر، ومن المتوقع أن يشهد العقد القادم:
-
توسعًا في مشروعات الإيجار المؤسسي.
-
دخول مطورين كبار لتقديم وحدات جاهزة للإيجار.
-
تنظيم قانوني وبيئة أفضل لمستأجر أكثر أمانًا.