في الأسبوعين الماضيين، صرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب — في خطاب جماهيري وتصريحات إعلامية — بأن “أمام إيران أسبوعين للتراجع أو ستدفع الثمن”، مما أعطى انطباعًا بأن هناك مساحة للدبلوماسية أو وساطة دولية.
غير أن العالم تفاجأ فجر اليوم بقيام القوات الأمريكية بتنفيذ ضربة عسكرية خاطفة استهدفت منشآت استراتيجية داخل إيران، مما شكل تحولًا صادمًا في مسار الأحداث.
التناقضات والخداع السياسي
1. التصريحات المطمئنة مقابل التصعيد الخفي
ترامب وعد بعدم اتخاذ أي قرار عسكري قبل انقضاء المهلة، إلا أنه كان، بحسب تقارير استخباراتية، يحشد قوات بحرية وجوية في المنطقة خلال نفس الفترة.
هذا يشير إلى وجود نية مبيتة للهجوم، ما يُفسر كممارسة للخداع الاستراتيجي.
2. استغلال الإعلام للتضليل
ترامب صرح بأن واشنطن “تفضل الحلول السلمية”، لكنه في الكواليس رفض مقترحات وسطاء مثل قطر وسلطنة عُمان.
بعض المراقبين يرون أن هذه التصريحات لم تكن سوى غطاء إعلامي لتحييد الرأي العام.
3. تناقض الخطاب الداخلي والخارجي
محليًا، خاطب ترامب قاعدته السياسية بلغة “الردع القوي”، أما على الساحة الدولية فكان يستخدم نبرة هادئة.
هذا النوع من الخطاب المزدوج أفقد الولايات المتحدة مصداقيتها في عيون كثير من الحلفاء.
تداعيات الضربة الفجرية
1. تشويه صورة الولايات المتحدة كقوة “قانون ونظام”
تُتهم واشنطن الآن بانتهاك القانون الدولي، خاصة أن الضربة جاءت دون قرار من مجلس الأمن أو تفويض دولي.
حلفاء مثل ألمانيا وفرنسا عبّروا عن قلقهم من السلوك الأمريكي أحادي الجانب.
2. زيادة حدة التوتر الإقليمي
الضربة قد تشعل سلسلة من الهجمات الانتقامية من فصائل موالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان.
دول الخليج، خصوصًا الإمارات والسعودية، أصبحت في وضع أمني هش رغم التحالف مع واشنطن.
3. ضرب مصداقية أمريكا في الاتفاقات
تناقضات ترامب تطرح تساؤلات خطيرة:
هل يمكن الوثوق بتعهدات أمريكا؟
هل الالتزام الأمريكي لاتفاق نووي أو سلام مستقبلي سيكون دائمًا؟
هذا يهدد فرص التفاوض مع إيران مستقبلًا، ويعطي الصين وروسيا مساحة أكبر للنفوذ.
ماذا بعد؟
1. إيران قد ترد بذكاء: عبر ضربات سيبرانية أو عمليات محدودة لا تؤدي لحرب شاملة.
2. الكونغرس الأمريكي قد يفتح تحقيقًا في دوافع الضربة، خاصة أن ترامب لا يزال شخصية مثيرة للجدل.
3. الرأي العام الدولي قد يتحول ضد أمريكا، مما يؤدي إلى عزلة دبلوماسية نسبية، على الأقل في القضايا الإيرانية.
إن تناقضات ترامب في الملف الإيراني — بين التصريحات والتصرفات — تشكل نموذجًا صارخًا لخداع سياسي دولي، وتؤدي إلى تآكل مصداقية الولايات المتحدة كقوة تحترم الأعراف الدولية. فبينما تحدّث عن “إعطاء إيران فرصة”، كان يُخطط فعليًا لهجوم مباغت، ما يفتح الباب لمزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط ويطرح علامات استفهام حول أخلاقيات القرار الأمريكي.