جميعنا يعرف قصة الفئران الصغيرة التي أغرقت السفينة العملاقة التي لا يشق لها غبار لكنها لم تصمد أمام عبث الصغار.
فيحكى أن سفينة ضخمة كانت تبحر في المحيط بهيبة وجلال، مكتظة بالبضائع والركاب، وعلى متنها مجموعة من الفئران الصغيرة التي نجحت في التسلل إلى السفينة، وبدأت في التكاثر والانتشار رويداً رويدا، داخل أجزائها، في البداية، لم يُعر القبطان والبحارة أي اهتمام لهذه الفئران، معتبرين أنها غير مؤذية.
لكن مع مرور الوقت، بدأت الفئران في التهام الحبال وإحداث ثقوبًا صغيرة في هيكل السفينة، لم يكن الضرر واضحًا في البداية، لكن مع استمرارها في التخريب، بدأت المياه تتسرب إلى الداخل ببطء، وبما أن الطاقم لم يتخذ إجراءات سريعة لإيقاف المشكلة، استمرت الأضرار في التفاقم.
حتى حلت الكارثة ففي ليلة حالكة هبت عاصفة قوية، فازدادت كمية المياه المتسربة إلى داخل السفينة، مما أدى في النهاية إلى غرقها بالكامل، حينها أدرك الجميع أن الإهمال في التعامل مع الفئران منذ البداية كان السبب الرئيسي في الكارثة.
فمن هم الفئران؟، وكيف يتقاسمون إيرادات الدولة؟
تعج بعض المؤسسات بفئة غير قليلة اعتادت على إحداث ثقوب في جسم السفينة من خلال تلقي الرشاوى أو كما أطلقوا عليها اسم “الإكراميات”، حتى تستطيع أن تنهي أي إجراء، والهدف بالطبع ليس سرعة إنهاء المعاملة المطلوبة فحسب، لكن للأسف يمتد الأمر إلى ما هو أخطر من ذلك حيث تقوم تلك الفئران الصغيرة بالتدخل وتقاسم إيرادات الدولة عن طريق اللعب في الفواتير والمخالفات والغرامات لصالح من يدفع، ولتذهب حقوق الدولة إلى الجحيم.
الكثيرون منا مر بهذا الموقف، حيث يعرض عليه الموظف دفع إكرامية مقابل تخفيض مخالفة مياه أو كهرباء..ألخ، أو حتى إلغائها نهائياً بحسب شخللة جيبك، طبقاً للمثل القائل:” شخلل علشان تعدي!!”.
وبالرغم من جهود الدولة الكبيرة في مكافحة تلك الظاهرة المستفحلة في المجتمع المصري منذ سنوات طوال، سواء بالتشريعات والقوانين أو بإنشاء الهيئات الرقابية لمكافحة الفساد، واستخدام التكنولوجيا ومكافحة البيروقراطية، وتسهيل وتسريع الإجراءات أمام المواطنين مثل مبادرة “الشباك الواحد” وغيرها، إلا أن بعض الهيئات مازالت بحاجة إلى رقابة مشددة للقضاء على هؤلاء المفسدين.
فالرشوة في المصالح الحكومية المصرية أو “الإكراميات” كما يسميها البعض، تعد واحدة من المشكلات المزمنة التي تؤثر على كفاءة المؤسسات، وتعرقل تحقيق العدالة والنزاهة في تقديم الخدمات العامة، بل وتضر بالاقتصاد الوطني.
ويتسبب في انتشار هذه الظاهرة، البيروقراطية وطول وتعقيد الإجراءات الرسمية، مما يدفع بعض المواطنين إلى اللجوء للرشوة كوسيلة لتسريع المعاملات.
أضف إلى ذلك، ضعف الرقابة والمحاسبة، وغياب الرقابة الصارمة والعقوبات الحقيقية الرادعة، في بعض المؤسسات.
وللأسف فإن الثقافة المجتمعية المتسامحة مع الفساد، ساهمت في هذا الأمر، فالبعض يعتبر الرشوة “إكرامية” أو “تسهيلاً”، مما يجعلها مقبولة في بعض الحالات.
كذلك جهل المواطنين بالقوانين، وعدم معرفة المواطن بحقوقه يجعله عرضة للاستغلال من قبل بعض الموظفين الفاسدين.
وقامت الدولة مشكورة بجهود كبيرة في مكافحة تلك الظاهرة منها إنشاء هيئة الرقابة الإدارية لمكافحة الفساد وضبط المخالفين، وإصدار قوانين وتشريعات تجرم الرشوة وتشدد العقوبات على المرتكبين، وتطوير الخدمات الرقمية لتقليل الاحتكاك المباشر بين المواطن والموظف، مما يحد من فرص الفساد، وحملات توعية المواطنين بحقوقهم وكيفية الإبلاغ عن أي مخالفات.
وللحد من هذه الظاهرة ينبغي تفعيل دور الأجهزة الرقابية وتشديد العقوبات وتسهيل الإجراءات الحكومية وتقليل التعقيدات البيروقراطية، خصوصاً في الهيئات التي تتعامل مباشرة مع المواطنين، مثل الأجهزة المعنية بإسكان المواطنين والتي يحتك بها المواطن بصورة يومية سواء بتقديم الخدمات من كهرباء ومياه وغاز وفواتير، وخلافه، وخصوصاً بأجهزة المدن الجديدة، وغيرها من الأجهزة والمصالح الحكومية.