من المفارقات اللافتة أن السوق العقاري المصري، الذي يُعدّ أحد أكبر القطاعات الاقتصادية وأكثرها تأثيرًا على المواطنين والمستثمرين، يعمل في الظلام تقريبًا.
لا توجد قاعدة بيانات دقيقة أو رسمية تُظهر حركة الأسعار، أو نسب المبيعات، أو حجم الطلب الحقيقي. والنتيجة: سوق ضخم، لكن بلا بوصلة واضحة.
إذا حاولت اليوم معرفة متوسط سعر المتر في أي مدينة أو منطقة، ستجد عشرات الأرقام المتناقضة.
شركة تسويق تقول رقمًا، ومطور يعلن رقمًا آخر، والمنصات الإلكترونية تنشر تقديرات مختلفة تمامًا.
لا جهة رسمية تصدر مؤشرات معتمدة، ولا آلية موحدة لتحديث الأسعار أو توثيق الصفقات.
حتى في الأسواق العالمية الأقل حجمًا، توجد جهات مستقلة ترصد بيانات دقيقة وتصدر تقارير فصلية عن البيع، والشراء، والطلب، والعرض، ونسب الإشغال.
أما في مصر، فالأرقام تُستخدم للدعاية أكثر مما تُستخدم للتخطيط.
هذا الغموض يضر الجميع:
-
المستثمر لا يعرف أين يضع أمواله بثقة.
-
المشتري لا يستطيع تقييم السعر الحقيقي لوحدته.
-
الحكومة تجد صعوبة في رسم سياسات إسكان واقعية.
والأخطر أن غياب الأرقام الدقيقة يفتح الباب أمام المضاربة والتضليل، ويحوّل العقارات إلى لعبة تقديرات شخصية بدل أن تكون قطاعًا منظمًا.
النتيجة: السوق العقاري في مصر لا يُدار بالبيانات، بل بالتصريحات الإعلامية والإعلانات الممولة!
إذا أرادت مصر بناء سوق عقاري قوي ومستدام، فعليها أن تبدأ من البيانات.
-
إنشاء مرصد رسمي للأسعار والمعاملات العقارية.
-
إلزام الشركات بتقديم بيانات دورية عن المبيعات والتسليم.
-
إطلاق مؤشر وطني لأسعار العقارات يُحدث كل ربع سنة.
فالشفافية ليست رفاهية، بل شرط أساسي لجذب الاستثمار وحماية المواطن.
ومادامت أرقام السوق العقاري غامضة، ستظل الثقة غائبة، والتقديرات عشوائية، والأسعار خارج السيطرة.
فالعقار ليس مجرد مبنى من الطوب والحديد… بل نظام من المصداقية والبيانات.
اقرأ أيضاً:
عزالدين جادالله يكتب: هل تُدار السوق العقارية المصرية بدون خريطة سعرية واضحة؟

