مع تواصل التهدئة في ملف غزة وبدء بوادر استقرار في البحر الأحمر، تتجه الأنظار مجددًا إلى قناة السويس، الشريان الاقتصادي الأهم لمصر، التي تضررت بشدة من الاضطرابات الأمنية خلال العامين الماضيين.
ومع توقعات بعودة حركة السفن تدريجيًا، يطرح خبراء الاقتصاد سؤالًا جوهريًا:
هل يمكن أن تؤدي عودة التدفقات الدولارية من القناة إلى تراجع سعر الدولار في السوق المصري؟
وهل تهدد هذه التدفقات «عرش الدولار» الذي ظلّ مرتفعًا في مواجهة الجنيه منذ أكثر من عامين؟
أولًا: قناة السويس.. من تراجع تاريخي إلى عودة مرتقبة
شهدت إيرادات قناة السويس تراجعًا حادًا بلغ أكثر من 50% خلال 2024، بعدما أجبرت الهجمات الحوثية مئات السفن على سلوك طريق رأس الرجاء الصالح.
وفقًا لتقارير البنك المركزي، انخفضت إيرادات القناة إلى نحو 2.6 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025، مقارنةً بـ5.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام السابق.
لكن مصادر في هيئة القناة تشير إلى أن عودة الملاحة الطبيعية قد تبدأ خلال الربع الأخير من 2025، خاصة بعد اتفاق التهدئة في غزة، ما قد يعيد التدفقات إلى معدلاتها الطبيعية خلال النصف الأول من 2026.
ثانيًا: الدولار بين الضغط والدعم
عودة التدفقات من قناة السويس تعني زيادة مباشرة في احتياطيات النقد الأجنبي، وهي العملة الصعبة التي يعتمد عليها البنك المركزي في إدارة سعر الصرف وسداد الالتزامات الخارجية.
لكن هل يكفي ذلك وحده لإحداث تراجع حقيقي في سعر الدولار؟
الإجابة، وفقًا للمحلل المالي أحمد الشاذلي، هي: “العودة الجزئية ستمنح الجنيه دفعة مؤقتة، لكنها لن تهز عرش الدولار ما لم تترافق مع تحسن الصادرات، وضبط الواردات، وجذب استثمارات مستدامة.”
ثالثًا: الاقتصاد المصري على أعتاب توازن جديد
المؤشرات الاقتصادية الأخيرة تُظهر تحسنًا نسبيًا في الأساسيات:
-
التضخم تراجع إلى 11.7% في سبتمبر، وهو أدنى مستوى منذ عامين.
-
عجز الحساب الجاري انخفض إلى 2.2 مليار دولار في الربع الثاني من 2025، بفضل زيادة تحويلات العاملين بالخارج.
-
وكالة S&P Global رفعت التصنيف الائتماني لمصر إلى “B”، معتبرة أن الإصلاحات الاقتصادية بدأت تؤتي ثمارها.
هذه العوامل مع تدفقات قناة السويس تشكّل مزيجًا قد يخلق استقرارًا نسبيًا في سوق الصرف، وربما يدفع الدولار إلى نطاق 47–48 جنيهًا على المدى المتوسط، وفق تقديرات بنوك استثمار محلية.
رابعًا: هل يمكن للجنيه أن ينتصر؟
خبراء الاقتصاد يحددون 3 سيناريوهات للمرحلة المقبلة:
السيناريو | الوضع في القناة | تأثيره على الدولار | المدة الزمنية |
---|---|---|---|
تحسّن قوي ومستمر | عودة كاملة للملاحة واستقرار البحر الأحمر | انخفاض تدريجي للدولار إلى أقل من 47 جنيهًا | خلال 6 أشهر |
تحسّن محدود | عودة جزئية للسفن دون استقرار دائم | استقرار الدولار بين 48–50 جنيهًا | خلال 3–6 أشهر |
استمرار المخاطر الأمنية | بقاء التوترات وتأجيل عودة السفن | استمرار الضغط وصعود الدولار مجددًا | على المدى القصير |
خامسًا: رأي السوق
المحللون يؤكدون أن السوق يترقب التدفقات الفعلية وليس الأخبار.
فمجرد الإعلان عن التهدئة لن يخفض الدولار، لكن دخول مليارات الدولارات الجديدة إلى الخزانة العامة عبر رسوم القناة قد يُعيد الثقة في الجنيه ويكبح الطلب على الدولار في السوق الموازية.
الخلاصة
عودة تدفقات قناة السويس قد لا «تهدد عرش الدولار» بشكل مباشر، لكنها تضع أساسًا لتحجيم نفوذه، خصوصًا إذا ترافق ذلك مع استقرار سياسي وإصلاحات مالية متواصلة.
الرهان الحقيقي لمصر لن يكون فقط على قناة السويس، بل على تنويع مصادر الدولار: الصادرات، السياحة، التحويلات، والاستثمارات الأجنبية.
حينها فقط، يمكن للجنيه أن يستعيد جزءًا من مكانته، وتبدأ رحلة توازن جديدة في سوق الصرف.
اقرأ أيضاً:
بنك مصر يرفع سقف مبيعات الدولار للمسافرين إلى 10 آلاف دولار لدعم احتياجات السفر
الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة ترفع سعر الدولار..تعرف على التفاصيل؟