شهدت أسعار الذهب في 2025 ارتفاعات ملحوظة، مدعومة بتغذية عديدة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. ووفقاً لتقارير عالمية، فقد وصل المعدن النفيس إلى مستويات قياسية دولياً، مع استمرار الطلب كأداة تحوط ضد المخاطر.
في الأسواق المحلية، ارتفع سعر جرام الذهب (عيار 21) خلال أسابيع بنحو 70 جنيهًا تقريبًا، مدفوعًا بضعف الدولار الأميركي وتوقعات بالتيسير النقدي.
لكن ما هي العوامل التي ستحدد الاتجاه المستقبلي؟ وما هي التحديات والفرص التي تنتظر المستثمرين في الذهب؟ نعرض فيما يلي تحليلاً مفصّلاً وتوقعات للأجل القصير والمتوسط، مع توصيات عملية.
العوامل الحاسمة التي ستوجه أسعار الذهب
1. السياسة النقدية وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة
تُعد قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من أكبر المحركات المؤثرة على أسعار الذهب، حيث إن تخفيض الفائدة يضعف العائد على الأصول المنافسة (السندات مثلاً) ويزيد جاذبية الذهب كأصل لا يعطي فائدة. أما إذا رجع الفيدرالي إلى تشديد السياسات لمكافحة التضخم، فقد يشكّل ذلك ضغطًا نزوليًا على الذهب.
2. قوة الدولار الأميركي والعوامل الدولية
بما أن الذهب يُسعّر دولياً بالدولار، فلو ارتفع الدولار فإن قدرة المشترين الأجانب على اقتناء الذهب تتأثر سلبًا. كذلك، التوترات الجيوسياسية (مثل النزاعات في الشرق الأوسط أو الأزمات العالمية) تشدّ الطلب كملاذ آمن.
3. طلب البنوك المركزية وصناديق الذهب (ETFs)
البنوك المركزية حول العالم مستمرة في شراء الذهب كجزء من احتياطاتها، وهو عامل داعم للاستدامة السعرية. كما أن تدفقات رؤوس الأموال إلى صناديق الذهب المتداولة تشكّل مؤشراً على توجه المستثمرين نحو الملاذ الآمن.
4. التضخم والمخاوف الاقتصادية
في ظل ارتفاع التضخم العالميّ، يبحث المستثمرون عن أدوات تحفظ القيمة، والذهب من أكثر تلك الأدوات شيوعًا. أما إذا استمرت مستويات التضخم في الارتفاع أو عادت للوصول إلى معدلات مرتفعة، فقد يدعم ذلك ارتفاع أسعار الذهب.
5. العوامل المحلية في الأسواق الناشئة
في مصر، يتأثر سعر الذهب محليًا بعوامل مثل سعر الصرف، والسياسات النقدية للبنك المركزي، والعرض والطلب المحلي. أي تذبذب في الجنيه أو تدخلات نقدية قد تلعب دورًا حيويًا في التوجّهات السعرية المحلية.
توقعات أسعار الذهب: نظرة قربى وبعيدة
الأجل القصير (الأشهر المقبلة)
من المتوقع أن يستمر الذهب في الزخم الإيجابي إذا استمر الاحتياطي الفيدرالي بتخفيف السياسة النقدية تدريجياً، مما قد يدعم تجاوز مستويات $4,000 للأوقية في حالة تصاعد الطلب.
بعض التحليلات الفنية تشير إلى أن هناك مقاومات قد تحد من الصعود في حال ارتد الدولار أو أعاد الاحتياطي تشديده.
في السوق المصرية، يمكن أن تستمر الارتفاعات المحلية، لكن مع تذبذب متزايد تبعًا لتقلبات سعر صرف الجنيه.
الأجل المتوسط والبعيد (حتى 2026 وما بعد)
يتوقع جي بي مورغان أن يصل متوسط سعر الذهب إلى حوالي $3,675 في الربع الأخير من 2025، وأن يرتفع إلى $4,000 بحلول الربع الثاني من 2026.
كما رفع دويتشه بنك توقعاته لمتوسط الذهب في 2026 إلى $4,000 للأوقية بدعم من الأوضاع العالمية المواتية لذهب آمن.
بعض التوقعات الأكثر تفاؤلاً من محللين مستقلين ترجو أن الذهب قد يصل إلى $4,300 أو أكثر بنهاية 2026، مع استمرار الاتجاه الصعودي.
على المدى الطويل (2030 وما بعده)، قد يرى البعض توقعات تصل إلى $5,000 أو أكثر، لكن تلك التقديرات تحمل مخاطر كبيرة بسبب تغيرات الاقتصاد الكلي والنظام النقدي العالمي.
التحديات المحتملة التي قد تُكبح صعود الذهب
إذا استمر الاحتياطي الفيدرالي أو بنوك كبرى أخرى في رفع الفائدة لمكافحة التضخم، فقد يفقد الذهب جزءًا من جاذبيته.
انتعاش الدولار قد يضغط على أسعار الذهب، خاصة إذا استقر على أداء قوي.
ضعف تحفيز الطلب في بعض الاقتصادات قد يُخفف من تدفقات الشراء إلى قطاع الذهب.
ظهور بدائل استثمارية ذات عائد مرتفع (كالأسهم أو السندات المرتفعة العائد) قد تجذب جزءًا من رؤوس الأموال بعيدا عن الذهب.
في الأسواق المحلية، تقلبات العملة أو سياسات نقدية مفاجئة قد تضعف من الربحية في الأسواق الناشئة.
نصائح عملية للمستثمرين في الذهب
1. تنويع المحفظة
لا تضع كل استثماراتك في الذهب فقط، بل اجعله جزءًا من محفظة متنوعة تضم أصولًا أخرى (أسهم، سندات، نقد). الذهب يجب أن يمثل “درعًا” ضد المخاطر، لا كل المحفظة.
2. اختيار وقت الدخول بعناية
يُفضل الشراء خلال فترات التصحيح أو التراجعات المؤقتة، وليس في ذروة التفاؤل، لتقليل مخاطر الشراء عند أعلى المستويات.
3. متابعة الأخبار الاقتصادية والسياسية
إبقاء نظرة على قرارات البنوك المركزية، بيانات التضخم، التقارير الاقتصادية الكبرى يُعدّ ضروريًا لاتخاذ قرارات مدروسة.
4. استخدام الأجزاء الصغيرة أولًا
إذا كنت تخشى تقلبات، يمكنك الدخول بمراحل (شراء على دفعات) بدلًا من استثمار مبلغ كبير مرة واحدة.
5. الاستثمار في الذهب المادي أو الرقمي؟
لديك خياران: الذهب المادي (سبائك، سبائك صغيرة، حُليّ) أو بالأدوات المالية مثل صناديق الذهب المتداولة (ETFs) أو العقود الآجلة. يُفضل الموازنة بين الاثنين تبعًا لسياق السوق وسيولتك.
6. وضع حدود للخسارة وجني الأرباح
حدد نقطة توقف الخسارة (stop-loss) وهدف الربح عند دخولك، حتى لا تتأثر عواطفك بتحركات السوق.
7. مراقبة الفوارق في السوق المحلية
في الدول التي تتأثر بعملتها المحلية، راقب الفروق بين السعر الدولي وسعر السوق المحلي، فهي قد تشكّل فرصًا أو مخاطر إضافية.