السترات الواقية لا تكفى لإنقاذ الحياة
فرق كبير في الحماية بين الصحفي الأجنبي والمحلى
مجلس الأمن.. بيانات دون آليات ردع
المهارات الشخصية تصنع مراسلا ناجيا
دعم الصحفيين المستقلين.. مسئولية الجميع
خرق متواصل للقوانين الدولية دون محاسبة
الدعم النفسي والإسعافات الأولية.. أدوات بقاء أساسية
إعلامي ومراسل ميداني، عاش تفاصيل النزاعات في غزة ولبنان وسوريا، ودونها في كتابه «من الميدان إلى الشاشة»، في هذا الحوار للأهرام العربي، يكشف «علاء فياض» هشاشة الحماية التي يتلقاها الصحفيون في مناطق الصراع، والفرق الصادم بين ما يمنح للمراسل الأجنبي وما يمنح لنظيره المحلي، ويتحدث عن التجسس الرقمي، والتدريب المفقود، والاستهداف المباشر للصحفيين، ويدعو إلى إنشاء صندوق دولي للطوارئ، وتوثيق الجرائم ضد الصحافة، واعتبار استهداف الصحفي جريمة حرب تستوجب المحاكمة.
_ كيف ترى واقع حماية المراسلين الصحفيين في مناطق النزاع؟
للأسف واقع المراسلين والصحفيين التليفزيونين مرير جدا، فقد أثبتت حرب غزة ضعف برامج الحماية والتدريب المقدمة للمراسلين في مناطق النزاع، وهشاشة التواصل، والتزود بالمعلومات الأمنية المطلوبة لبقاء طاقم العمل في أمان، فرغم الجهود المبذولة غالبًا ما يجد المراسلون أنفسهم في مواجهة أخطار ميدانية مباشرة دون ضمانات حقيقية للسلامة، خصوصًا في مناطق النزاعات المعقدة المبنية على أسس دينية وعرقية وأيديولوجية، كالتي في غزة ولبنان وسوريا، حيث لا تُحترم القوانين الدولية من قبل المسيطر على أرض المعركة، فقد شهدت غزة ولبنان استهدافاً ممنهجاً للصحفيين، حيث قتل 203 صحفيين فلسطينيين في غزة، و6 صحفيين في لبنان خلال تغطية العدوان الإسرائيلي، بالإضافة إلى إصابات واعتقالات عديدة، وفى الوقت نفسه فإن 86 % من جرائم قتل الصحفيين عالمياً، لم يتم التحقيق فيها بشكل كافٍ، ولم يعاقب الجناة مما يشجع على استمرار الانتهاكات.
_ هل هناك فرق فى مستوى الحماية المقدمة للصحفى المحلى عن الصحفى الأجنبى؟
من المؤكد هناك فرق كبير، أولا المؤسسات الإعلامية الأجنبية لا ترسل موفدها إلى مناطق النزاع، إلا بعد تدريب أمنى مكثف وعلى أعلى مستوى، كما تحرص على حمايته من خلال تزويده بأحدث المعدات الصحفية والتكنولوجية ووسائل الاتصال الحديثة، بالإضافة إلى تبادل المعلومات الأمنية معه، فضلا عن برامج تأمين صحي، وفى النهاية تقف وراءه مؤسسات دبلوماسية وضغط دولى إذا تعرض للاعتقال أو أى أذى.
أما الصحفى المحلي، فيُترك فى مواجهة المخاطر بموارد محدودة جدًا، اعتقادا بأنه ابن المكان، ويستطيع الخروج منه بسهولة، كما أن ضعف المعلومات الأمنية، يجعل تصرفه وخروجه من مناطق الخطر دائما متأخرين، كما يواجه المراسلون المحليون مخاطر أعلى، لكونهم يفتقرون للحصانات الدبلوماسية والدعم القانونى الدولى، وبرغم أن المراسل المحلى هو الوحيد الذى يستطيع الوصول إلى قلب وبؤرة مناطق النزاع، فإنه الأقل دعما من المنظمات الدولية، كـ«مراسلون بلا حدود»، وشبكة الصحفيين الدوليين، بينما يقف المراسلون الأجانب على أطراف أماكن النزاع، ويحصلون على جميع أشكال الدعم الدولى.
_ ما أكثر التهديدات التى يواجهها المراسلون فى مناطق النزاع؟
نظرا لأن الحروب تعتمد على الطلعات الجوية، فالتهديد الأكبر هو الاستهداف المباشر بالقصف أو إطلاق النار، لكن لكون الحرب فى غزة معقدة، وخاضعة لمتغيرات كثيرة، يأتى الاختطاف والاعتقال التعسفى وحالات الابتزاز من جماعات مسلحة، على رأس التهديدات التى تلاحق الصحفيين، لكن هناك أيضا تهديدات غير مباشرة، لكنها مهمة ومؤثرة نتيجة انتشار الأمراض بسبب نقص الإمدادات الطبية، والخدمات العلاجية لمعالجة المصابين، والحصار والجوع، كما يحدث داخل قطاع غزة.
_ إلى أى مدى تلتزم الأطراف المتحاربة بالقوانين الدولية الخاصة بحماية الصحفيين؟
أعتقد أنه التزام ضعيف جدا، فبرغم أن القانون الدولى الإنسانى، خصوصًا اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، تنص صراحةً على ضرورة حماية الصحفيين المدنيين، أثناء النزاعات وعدم استهدافهم، فإن التطبيق على الأرض غالبًا ما يكون مختلفا، ففى معظم النزاعات الحديثة، تتحول التغطية الصحفية نفسها إلى هدف، وبعض الأطراف المسلحة الأيديولوجية مثل إسرائيل تعتبر الصحفى خصمًا، لأنه ينقل رواية مختلفة أو يُظهر حقائق قد تُحرجها، كما أن إسرائيل وجيشها تتجاهل دائما قواعد الاشتباك، وتعتبر الصحفيين أضرارًا جانبية، ولها سوابق كثيرة فى ذلك مثل ما حدث لشيرين أبو عاقلة، واليوم تقتل إسرائيل المراسلين على الهواء وأمام الشاشات.
ومن الناحية الأخرى تستخدم الجماعات الإرهابية الصحفيين، كورقة ضغط أو دعاية، لذا فإن معظم الأطراف ترى الصحفيين خصومًا أو وسيلة ضغط، فيتم استهدافهم أو التضييق عليهم عمدًا، وهو ما يعد انتهاكا للمادة 79 من البروتوكول الإضافى الأول لاتفاقيات جنيف التى تعتبر الصحفيين مدنيين ولقرارات مجلس الأمن (مثل 1738 و2222).
_ ما أهم التجهيزات الميدانية التى يجب أن يمتلكها المراسل أثناء التغطية فى مناطق النزاع؟
أهم التجهيزات، هو اختيار مكان البث بشكل دقيق، ومن خلال اعتبارات أمنية، وأن يضع فى اعتباره أمانه الشخصى، ثم تأتى بعد ذلك السترة الواقية والخوذة، وكمامات واقية من الغازات، إلى جانب تزويد المراسلين بهاتف، يعمل بالأقمار الصناعية تحسبا لانقطاع خدمات الاتصال، وحقيبة إسعافات أولية، مع تدريبه على مهارات معالجة الجروح، والتعامل مع بعض الجروح وبعض الأدوات الطبية، وجهاز GPS لتحديد المواقع، ويجب دعم المراسلين بأجهزة إنذار مبكر للطائرات المسيرة، مع التدريب على الإخلاء الطبى.
_ هل تعتقد أن السترات الواقية والخوذ توفر حماية كافية فى بيئات الحرب؟
هى فقط مجرد عوامل تقلل من الخطر، لحين التعامل الطبى معها، أو لحين الوصول إلى المستشفى، لكنها ليست بديلا عن المستشفيات، ولكنها ضرورية، لأنها تزود من فرص النجاة، فبعض الإصابات تأتى فى أماكن فى الجسم لا تغطيها السترة، والقصف العشوائى لا يميّز بين الصحفى وغير الصحفى.
_ ما دور المؤسسات الإعلامية فى تدريب المراسلين ميدانيًا؟
التدريب هو كل شىء بالنسبة للمراسل، لكنه للأسف غير متاح لجميع المراسلين، وبعض المؤسسات لا تدرب مراسليها على الأمان الشخصى، وكيفية التعامل مع الأزمات والحروب، لكن كثيرا من المؤسسات الإعلامية الدولية تنظم دورات فى الإسعافات الأولية، وكيفية التغطية تحت النار، والسلامة الرقمية والإخلاء الطبى، أو الإخلاء الميدانى، والتعامل مع المسلحين أثناء القبض على المراسل، والتدريب على الأمن الرقمى مثل كشف التصيد الإلكترونى، وحماية المصادر، والتدريب على محاكاة حالات الطوارئ، مثل القصف أو الاختطاف، كما توفر المؤسسات دليلا ميدانيا للتعامل مع النزاعات.
_ كيف يمكن للصحفى أن يتعامل مع حالات الطوارئ مثل القصف أو فقدان الاتصال؟
المراسل لابد أن تكون لديه خطة مسبقة معدة مع القناة، منها اختيار المكان، ومنها أيضا أن تكون لديه خطة طوارئ مسبقة، ومكان آمن للجوء إليه، ومعرفة المخارج ودروب وسكك المنطقة التى يبث منها، والاتفاق مع فريقه أو مؤسسته على إشارة استغاثة أو وسيلة بديلة للاتصال، لتأمين عملية إخلائه وعدم التحرك عشوائيًا، ودائما تجنب الوقوف بجانب النوافذ، وعند اختيار مكان العمل لابد أن يستخدم أجهزة اتصال بديلة “لا سلكى”، وإبلاغ إحداثيات موقعه بدقة مسبقاً للمؤسسة.
_ هل توصى بإدراج وحدات إسعافات أولية أو دعم نفسى ضمن أدوات المراسلين؟
بالتأكيد، فإن حقيبة الإسعافات قد تنقذ حياة الصحفى أو زميله، والدعم النفسى لا يقل أهمية، وهناك تدريبات بالفعل قبل أحداث غزة دخلت ضمن تدريبات الصحفيين، كالتدريب على مكافحة التوتر والقلق بعد التعرض لصدمات ميدانية، وهى تدريبات يقوم بها الاتحاد الدولى للصحفيين لجميع الصحفيين، حيث تم الكشف عن أن عددا كبيرا من الصحفيين يعانون من التوتر بسبب بيئة العمل.
_ ما التحديات الأمنية الرقمية التى تواجه الصحفيين فى مناطق النزاع؟
معظم المراسلين والصحفيين هواتفهم مخترقة ومراقبة، خصوصا مراقبة مكالماتهم ورسائلهم وتتبع موقعهم الجغرافى مما يعرضهم للخطر المباشر، وكل هذه الاختراقات حدثت مع صحفيى غزة وسرقت بياناتهم، كما يتم اختراق تليفوناتهم لنشر أخبار كاذبة لتقويض مصداقيتهم.
_ كيف يمكن حماية البيانات والمصادر أثناء العمل الميدانى؟
أنصح دائما باستخدام تليفون صغير للاتصال فقط خاليا من الإنترنت، وتليفون آخر عليه تطبيقات مشفرة، مع عدم تخزين معلومات حساسة على الأجهزة المحمولة، ومسح البيانات والتقارير بشكل دورى بعد إرسالها مباشرة للمحطة، وعدم الاحتفاظ بنسخ محلية، وعدم تخزين أسماء المصادر، ولدى المؤسسات الكبرى برامج وتطبيقات خاصة تعمل على البث، وكذلك إخفاء البيانات إلى جانب تطبيقات ذاتية التدمير للرسائل.
_ ما أهمية برامج التأهيل النفسى بعد التعرض لصدمات ميدانية؟
هذه البرامج فى غاية الأهمية، فالتعرض المستمر للموت والدمار يترك آثارًا نفسية عميقة، والدعم النفسى يحمى الصحفى من الاحتراق النفسى أو الاضطرابات طويلة الأمد، لكن للأسف هذه البرامج متوافرة للأجانب فقط، فقد أثبتت الدراسات النفسية أن 60 % من الصحفيين فى مناطق النزاع يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) لذا تعتمد المؤسسات الأجنبية، كما يحدث فى برلين بألمانيا هناك برامج “زمالات الراحة والملجأ” تقدم إقامة وعلاجاً لمدة 3 أشهر .
_ كيف تقيم أداء المنظمات الدولية فى حماية الصحفيين؟
للأسف الشديد هذه المؤسسات لا تستطيع أن تحمى نفسها من القصف والاستهداف المباشر، فما بالك بالصحفيين، نعم هناك جهد لكنه غير كافٍ، وهناك مبادرات لكن تأثيرها محدود ميدانيًا، خصوصا مع استمرار استهداف الصحفيين بلا محاسبة حقيقية، فمثلا لجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود تقدم مساعدات طارئة (طبية/قانونية) لكنها بطيئة جدا فى التدخل مع عدم جدوى محاسبة الجناة.
_ ما تقييمك لاستجابة منظمات الأمم المتحدة لحالات استهداف المراسلين؟
الأمم المتحدة لم تستطع عمل اى شىء لشعب اعزل، مجرد بيانات فقط، فما بالك باستهداف الصحفيين، هى أيضا لم تقدم لهم سوى بيانات رسمية، نعم هى مهمة رمزيًا لكنها لا تمنع تكرار الجرائم، ولا يوجد لديها آليات ردع فاعلة ضد من يستهدف الصحفيين، فالقرارات (مثل 2222) مجرد قرار و حبراً على ورق، دون أى آليات تنفيذ، فلا توجد حالة واحدة لدولة تمت معاقبتها وفقا لهذا القرار، لذا فإن غياب العقوبات يزيد من عمليات انتهاك حماية الصحفيين .
_ كيف يمكن الضغط دوليًا لتجريم استهداف الصحفيين فى النزاعات؟
الحروب الآن أصبحت مذاعة على الهواء مباشرة، لذا يعتبر توثيق الانتهاكات بدقة هى أولى الخطوات المهمة، مع تفعيل قرارات وإدانات المحاكم الدولية، مع استمرار الضغط الإعلامى ومنظمات حقوق الإنسان لإبقاء القضية حيّة فى الرأى العام، حيث إن الإنسان مريض بالتعود، فمجرد استمرار واستئناف الوضع يجعل منه شيئا عاديا، وأقترح اعتماد “اتفاقية دولية لسلامة الصحفيين”، تلزم الدول بمحاسبة الجناة، مع فرض عقوبات اقتصادية على الجهات المنتهكة، ودعم المحكمة الجنائية الدولية فى إجراء التحقيقات اللازمة، وكذلك إقرار قوانين تحظر الملاحقة القضائية التعسفية.
_ ما المهارات الشخصية التى تساعد الصحفى على البقاء آمنًا ميدانيًا؟
هذه المهارات الشخصية للمراسل تتضمن سرعة التحرك واتخاذ القررات بهدوء وتحت أى ضغط، وسرعة البديهة، والقدرة على قراءة الموقف ميدانيًا وأمنيا، والوعى التام بالمنطقة المحيطة به وخلفياتها السياسية والأيديولوجية وعقيدتهم الفكرية والدينية، والثقافة العامة لاستخدامها فى التفاوض إذا لزم الأمر، وأخيرا مهارات طبية وتمريضية.
_ ما المطلوب من المؤسسات الإعلامية تجاه صحفييها؟
أن تقوم المؤسسات الإعلامية بتوفير التأمين الصحى والبدنى لكل مراسليها، وكذلك توفير معدات الحماية، ونشر خطط طوارئ واضحة لكل الفرق الميدانية، والعمل على توفير التصاريح اللازمة للتغطيات وفقا للقانون، وعدم كسر قانون البلد التى عليها الحرب، حيث تعتقد بعض المؤسسات أن الحروب فرصة لمخالفة القوانين واللوائح، وبالتالى يسهل القبض على طواقم العمل بتهمة مخالفة القانون، وبالتالى لا تستطيع المؤسسات حماية طواقمها.
_ كيف يمكن دعم الصحفيين المستقلين الذين لا ينتمون لمؤسسات؟
أعتقد أنه يمكن دعمهم عبر إنشاء منصات تدريب جاهزة مجانية على الإنترنت يسهل الوصول اليها، كما أعتقد أن تقوم المؤسسات الدولية كالصليب الأحمر والأمم المتحدة واليونيسيف ومنظمات حقوق الإنسان بتزويدهم بمعدات الحماية، لأن عملهم يفيد هذه المؤسسات ويصب فى صالحها.
_ هل تؤيد إنشاء “صندوق دولى للطوارئ” لدعم الصحفيين الميدانيين؟
بالطبع أتمنى ذلك، وسيكون طوق نجاة خصوصًا للصحفيين المستقلين، لتغطية نفقات العلاج أو الإجلاء السريع فى حال الخطر.
اقرأ أيضاً: