خبراء يدعون لتكثيف الرقابة على سوق مواد البناء
الغش في مواد البناء يهدد سلامة المباني.. وحجم السلع المغشوشة بمليارات الجنيهات
هداية: يجب إصدار تشريعات صارمة وعقوبات رادعة لحماية قطاع العقارات
تفعيل بلاغات المستهلكين عبر منصات إلكترونية متخصصة في الرقابة العقارية
عبدالفتاح: لابد من تكثيف الحملات التفتيشية المفاجئة على المصانع والموردين
تحرص الدولة على تشديد الإجراءات القانونية بحق المخالفين في مختلف القطاعات، انطلاقًا من مسؤوليتها في حماية المواطنين والحفاظ على سلامتهم، ويأتي قطاع البناء في مقدمة هذه القطاعات نظرًا لارتباطه المباشر بأمن الأرواح والممتلكات. وقد وضع قانون البناء عقوبات رادعة لجرائم الغش في أعمال البناء واستخدام مواد غير مطابقة للمواصفات، لما تمثله من خطر جسيم على السلامة العامة.
وفي هذا الإطار، نصّت المادة (104) من قانون البناء على معاقبة كل من يخالف الأصول الفنية المعتمدة في تصميم أو تنفيذ أو الإشراف على أعمال البناء، أو يستخدم مواد مغشوشة أو غير مطابقة للمواصفات، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن مثلي قيمة الأعمال المخالفة وبحد أدنى خمسين ألف جنيه، ولا تجاوز ثلاثة أمثال قيمة الأعمال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كما شددت المادة على تغليظ العقوبة حال تسببت المخالفة في سقوط البناء كليًا أو جزئيًا أو صيرورته آيلًا للسقوط، لتشمل الحبس والغرامة المشددة، بينما تصل العقوبة إلى الحبس من سنة إلى عشر سنوات في حال وقوع وفيات أو إصابات بعاهات مستديمة، أو إذا ارتبطت الجريمة بالتزوير، مع شطب اسم المهندس أو المقاول من السجلات المختصة، ونشر الحكم في الصحف اليومية.
خبراء يحذرون: الغش في مواد البناء تهديد مباشر لسلامة المباني
ورغم هذه النصوص القانونية الصارمة، يحذر خبراء من اتساع نطاق السلع المغشوشة والمقلدة داخل سوق مواد البناء، مؤكدين أن الظاهرة باتت تشكل خطرًا حقيقيًا على سلامة المباني والمواطنين، وتكبّد الاقتصاد خسائر تُقدَّر بمليارات الجنيهات سنويًا.
حالات انهيار مباني متكررة بالمدن الجديدة تكشف وقائع لغش مواد البناء
في بداية عام 2024 شهدت مدينة 6 أكتوبر وتحديدا في الكيلو 28 واقعة مأساوية بعد انهيار مبنى تسبب في مقتل إثنين وإصابة أربعة آخرين، وتم إخطار النيابة التى تولت التحقيق، وطلبت تحريات الأجهزة الأمنية عن ملابسات الحادث وسبب سقوط سقف المبنى.
وفي أغسطس 2023 شهدت مدينة القاهرة الجديدة واقعة مأساوية أخرى، بعد انهيار سطح مول تجاري مكون من 4 طوابق، دون إصابات نظرًا لكونه تحت الإنشاء، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وتم تحرير المحضر اللازم، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيقات بالواقعة.
ضبط مخزن بالطالبية لإعادة تعبئة مواد البناء لعلامات شهيرة
أعلن جهاز حماية المستهلك، شن حملات رقابية موسعة، بنطاق محافظة القاهرة الكبري، في شهر يونيو الماضي، استهدفت مخزن بنطاق حي الطالبية بمحافظة الجيزة، لإعادة تعبئة مواد ومهمات البناء بمختلف أنواعها وأحجامها مجهولة المصدر يتم تعبئتها تحت أسماء وعلامات تجارية شهيرة متداولة بالأسواق وذلك بالمخالفة لإشتراطات السلامة وتداول سلع مجهولة المصدر بالأٍسواق ضارة بأمن وسلامة المستهلكين، فضلا عن الإضرار بالكيانات الإقتصادية الموجودة بالأسواق.
وأسفرت جهود الحملة الرقابية عن ضبط 4.3 طن مواد ومهمات بناء بمختلف الأحجام مُعد للتداول بالأسواق ، فضلاً عن ضبط الأدوات المُستخدمة فى التعبئة والتغليف النهائى بإجمالي 76 كرتونة فارغة بالإضافة إلي 520 ملصق ” استيكر” مدون عليها أسماء كُبري العلامات التجارية الشهيرة المتداولة بالأسواق ، فضلًا عن ادارة منشأة بدون ترخيص بإستخدام أسماء كُبري العلامات التجارية المتداولة بالأسواق، وعلي الفور وعقب تقنين الإجراءات اللازمة تم تحرير محاضر بالواقعة المذكورة وإحالة المخالفين للنيابة العامة.
وأوضح إبراهيم السجيني، رئيس جهاز حماية المستهلك، أن هذه الوقائع، تُعد مخالفة واضحة وصريحة لقانون حماية المستهلك، وقانون الغش التجاري، والذي يجرم تداول أية سلع بالأسواق مجهولة المصدر أو استخدام أسماء كٌبري العلامات التجارية الشهيرة لإيهام المستهلكين علي خلاف الحقيقة، مشيرً إلي أنه علي الفور تم التحفظ علي المضبوطات، وإحالة الواقعة إلي النيابة العامة لإعمال شئونها وإتخاذ ما يلزم حيال الواقعة، مشيرا إلي أن الجهاز لن يدخر جهدا فى إتخاذ أى إجراءات رقابية استباقية من شأنها منع تداول السلع مجهولة المصدر للأسواق.
أشكال متعددة للغش في سوق مواد البناء
قال الدكتور فهمي هداية، أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق، إن حجم السلع المغشوشة في مواد البناء يتزايد بشكل يومي، وتشير التقارير إلى انتشار واسع للمنتجات المغشوشة، خاصة في أسواق مواد البناء الرئيسية، وتنوعت جرائم الغش بين استخدام أسمنت منخفض الجودة، وحديد تسليح رديء، أو مواد عزل غير مطابقة للمواصفات، وتزوير العلامات التجارية، واستخدام علامات تجارية عالمية شهيرة على منتجات مغشوشة لبيعها بسعر أعلى.
وعن طرق مكافحة الغش التجاري في قطاع العقارات، أكد هداية أنه لابد من تفعيل القوانين مثل قانون قمع التدليس والغش الصادر عام 1941، وتطبيق عقوبات صارمة على المتورطين لتكون رادعا لهم، مشددا على ضرورة تكثيف الحملات التفتيشية المفاجئة على المصانع والموردين ومواقع البناء من قبل الجهات الحكومية مثل وزارة التجارة والصناعة وهيئة المواصفات والجودة.
وأضاف هداية أنه لابد من إجراء فحوصات دورية وعشوائية للمواد الخام والمنتجات النهائية بقطاع العقارات في معامل معتمدة للتأكد من مطابقتها للمعايير، مؤكدا أهمية تفعيل بلاغات المستهلكين والمهنيين عبر تطبيقات إلكترونية في مصر، مثل تطبيق ” أبشر ” المستخدم في السعودية مع تقديم مكافآت للمبلغين تصل إلى 25% من قيمة الغرامة.
تضافر الجهود والتنسيق بين الجهات الحكومية
وقال الدكتور محمد نشأت، أستاذ الهندسة المدنية والتخطيط العمراني، بكلية الهندسة، إنه يجب تضافر الجهود والتنسيق بين الجهات الحكومية مثل الرقابة والجمارك والشرطة والقطاع الخاص الذي يشمل المقاولين، والمطورين العقاريين، والموردين الموثوقين، للسيطرة على سوق مواد البناء وإحكام الرقابة على جميع المتعاملين بقطاع العقارات.
وأشار نشأت إلى أهمية نشر الوعي بين المستهلكين والمقاولين، والتشديد على طلب شهادات المطابقة، وفحص المواد، والمخاطر المرتبطة بالمنتجات المغشوشة على السلامة العامة، وتحديث وتطبيق المواصفات القياسية لمواد البناء باستمرار لضمان جودتها ومطابقتها للمعايير العالمية.
وأوضح نشأت أن الغش والتقليد التجاري أصبح حاليا اقتصادا موازيا لاقتصاد البلدان، حيث أصبحنا نتحدث الآن عن مليارات الدولارات التي تذهب لممارسات الغش والتقليد، وفيما يتعلق بالغش التجاري، فقد تعددت مظاهر الغش ووسائله وساهمت التطورات التكنولوجية في زيادة تعقيد ظاهرة الغش وتطورها ودقتها مما أفرز حالة جديدة من الغش التي تتطلب إجراءات أكثر كفاءة.
وأضاف نشأت أن أبرز مظاهر الغش في مجال البناء، يتمثل في التلاعب بمواصفاتها وأوزانها، وبالتقليل من جودتها أو بإعادة تعبئة التالف منها، فضلا عن الغش في الأوزان، وهذه ظاهرة تتنامى في الواقع الاستهلاكي في بلادنا، ويطال غالبا السلع الأساسية التي يعاد تعبئتها محليا في عبوات متعددة الأحجام.
تعزيز مبدأ التمثيل لجمعيات حماية المستهلك
وقال المهندس محمود عبدالفتاح، عضو غرفة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية، إنه يجب تعزيز مبدأ التمثيل لجمعيات حماية المستهلك، وإصدار تشريعات متخصصة وإعادة النظر بقانون التجارة الداخلية والخارجية وذلك بهدف تعزيز المواد المتضمنة للإجراءات العقابية لمكافحة الغش في قطاع العقارات، ويجب على المستهلكين التحقق من سمعة المطور العقاري والتراخيص، وتوثيق العقود.

