زاوية-عقار وقرار
السوق العقاري المصري بين التنظيم والرقمنة: خطوة للأمام أم عبء جديد؟
بقلم: عزالدين جادالله
يشهد السوق العقاري المصري في الآونة الأخيرة ما يمكن وصفه بـ “هزّة تنظيمية رقمية”، مع دخول تعديلات قانون الوساطة العقارية حيّز التنفيذ، والإعلان عن أول منصة رقمية للاستثمار العقاري تحت إشراف الهيئة العامة للرقابة المالية. تحركات تبدو للوهلة الأولى مؤشراً على نضوج السوق وتقدمه، لكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات جدية حول مدى جاهزية البيئة العقارية لتلك النقلة، وحقيقة المستفيد منها.
من حيث المبدأ، لا خلاف على أهمية تنظيم مهنة الوساطة العقارية، بعد سنوات من العشوائية والتضليل الذي عانى منه المشترون والمستثمرون على السواء. فالقانون الجديد جاء ليضع إطاراً واضحاً للعاملين في القطاع، يفرض التسجيل والترخيص، ويحدّ من الفوضى التي خلقت فقاعة “سماسرة الظل”.
لكن النقد الحقيقي لا يوجه إلى الفكرة بل إلى التنفيذ.
فالقانون في صورته الحالية قد يثقل كاهل الوسطاء الصغار ويقيد حركتهم بإجراءات بيروقراطية طويلة وكلفة مالية لا يستطيع الجميع تحملها، ما قد يؤدي إلى خروج عدد كبير من العاملين غير القادرين على استيفاء الشروط، لصالح الشركات الكبرى القادرة على تحمل الرسوم والاشتراطات.
بكلمات أخرى، القانون يرفع مستوى التنظيم… لكنه قد يخفض مستوى المنافسة.
وإذا لم تُواكب هذه التعديلات بآليات رقابية عادلة وتطبيق مرن، فقد تتحول النية الحسنة إلى أداة احتكار مقنّعة، تخلق طبقة من “الوسطاء المرخّصين” المتحكمين بالسوق، على حساب صغار المكاتب والمستقلين.
التحول الرقمي في العقار ليس ترفاً، بل ضرورة حتمية. لكن إطلاق منصة رقمية للاستثمار العقاري في سوق يعاني من ضعف في الشفافية ونقص في البيانات الرسمية عن الأسعار والتراخيص يثير الكثير من الأسئلة.
كيف يمكن للمستثمر أن يثق في “وحدة رقمية” أو “وثيقة استثمار” دون نظام بيانات عقاري متكامل يوثق الملكيات والمخالفات والقيم الحقيقية؟.
كيف يمكن ضمان حقوق المشاركين في صناديق الملكية المشتركة “على المشاع” في بيئة ما زالت فيها إجراءات التسجيل العقاري الورقي معقدة؟.
إن المنصة خطوة جريئة، لكن البنية التحتية القانونية والفنية لم تُستكمل بعد.
التحول الرقمي لا يُقاس بعدد المنصات، بل بمدى قدرتها على حماية المستخدم وضمان الشفافية. والمفارقة أن الحكومة تطلق منصات رقمية في حين أن السجل العقاري التقليدي نفسه ما زال يدوياً في كثير من المحافظات.
لا شك أن الدولة تسعى بجدية لجعل السوق العقاري أكثر انضباطاً وجذباً للاستثمار، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة وارتفاع تكاليف البناء والفائدة. لكن في سعيها نحو التنظيم والرقمنة، يبدو أنها تركت “حلقة الوصل” الأهم: الثقة.
فالسوق لا يُنظَّم بالقوانين فقط، بل بالوضوح والعدالة وسهولة التطبيق.
الرقمنة لا تنجح إلا عندما تكون جزءاً من منظومة شفافة تتكامل فيها القوانين، التسجيل، التمويل، والتسعير، وليس مجرد واجهة إلكترونية أنيقة فوق واقع بيروقراطي معقد.
كلمة أخيرة
ما يحدث اليوم في السوق العقاري المصري هو صراع بين التحديث والواقع.
لدينا نية إصلاح حقيقية، لكن الطريق ما زال وعراً.
القوانين الجديدة والمنصات الرقمية قد تُشكّل نقطة تحول، لكنها تحتاج إلى تنفيذ عادل، ومتابعة شفافة، وحوار مستمر مع أصحاب المصلحة — من وسطاء ومطورين ومستثمرين — حتى لا تتحول خطوات الإصلاح إلى عبء إضافي على سوق أنهكته التكاليف والتعقيدات.
فالإصلاح الحقيقي لا يكون بزيادة القوانين والمنصات، بل بزيادة الثقة والمعلومات.
اقرأ أيضاً:
عزالدين جادالله يكتب: الأرقام المفقودة في سوق العقارات المصري
رابط مختصر انسخ:https://aqaar24.com/j8bu

